ملك الرومانسية عضو حبوب
عدد المساهمات : 60
نقاط : 130
العمر : 47
| موضوع: بحث عن الأزمة المالية العالمية وآفاقها الأحد أغسطس 08, 2010 4:57 am | |
| يعترف جميع زعماء العالم بجدية الأزمة المالية التي يتعرض لها العالم، وخاصة كبرى البلدان الرأسمالية وفي المقدمة منها بالطبع الولايات المتحدة. فقد اعترف الرئيس بوش وعلى الملأ "بأننا نعيش في أوج الأزمة الاقتصادية، وإن مجمل الاقتصاد يتعرض للخطر". ويرى بعض المراقبين أن هذه الأزمة لا تقل خطورة عن الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالدول الرأسمالية في العقد الثالث من القرن الماضي. لقد بدأت ملامح الأزمة منذ سنة ونصف مضت، إلا أن الرئيس الأمريكي ووزير خزانته كانا يصران في تلك الأيام على أن "الاقتصاد متين، ولا تعاني البنوك والمؤسسات المالية من مشاكل تذكر".
ولكن وعلى حين غرة شهد العالم ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار النفط، والارتفاع في أسعار المواد الغذائية وسلع هامة في السوق العالمية إضافة إلى العبء المالي للعمليات العسكرية في العراق وأفغانستان.
وانفجرت الأزمة المالية التي أرغمت الرئيس الأمريكي ووزير خزانته على الطلب من الكونغرس باعتماد مبالغ ضخمة لإنقاذ "الوول ستريت" والبنوك والمؤسسات المالية من الانهيار وقد رفض الكونغرس طلب الرئيس مبلغ 700 مليار دولار، تدفع من الضرائب التي يدفعها المواطنون الأمريكان، لإنقاذ المؤسسات المالية.
فغالبية أعضاء الكونغرس ترفض تدخل الدولة في العملية الاقتصادية، حيث وصف الصقور في الكونغرس من كلا الحزبين إن هذا الطلب هو "إجراءات اشتراكية!!" تتناقض مع جوهر الاقتصاد الحر الذي يقوم عليه النظام الاقتصادي الرأسمالي في الولايات المتحدة.
إن التستر على الأزمة والكذب على الشعب الأمريكي وانعدام المراقبة الكافية على المؤسسات المالية من قبل الدولة من ناحية، والركض وراء أقصى الأرباح الطمع وانعدام الشعور بالمسؤولية وعدم الالتزام بالقوانين والفساد لدى مسؤولي المؤسسات المالية من ناحية أخرى، وعدم رعاية المبادئ الاساسية للنشاط الرأسمالي في المؤسسات المالية والبنكية قد فاقم من عمق هذه الأزمة.
وتتفاوت الآراء حول أسباب هذه الأزمة المفاجئة التي عصفت بالنظام المالي الأمريكي، والتي امتدت إلى عدد من الدول الرأسمالية. بالطبع لا تخرج هذه الأزمة عن دائرة الأزمات الدورية التي لا يسلم منها الاقتصاد الرأسمالي بحكم آليته. ولكن مجلة نيوزويك الأمريكية ترجع أسباب الأزمة إلى أحداث 11 أيلول/سبتمبر.
فبعد الحملة الإرهابية جرى تقليل الفائدة في البنوك من أجل جلب ثقة المواطن الأمريكي وتشجيعه على الإنفاق. وهكذا انتابت عوائل كثيرة، مستفيدة من تقليل الفائدة، حمى شراء البيوت. لقد شجّعت الحكومة المواطن على الإنفاق كمظهر من مظاهر التحدي للإرهاب، بدلاً من تشجيع المواطن على الادخار وتقوية المؤسسات المالية ومدخراتها.
وهكذا عاشت المؤسسات المالية فترة ضعفت فيها ضوابطها القانونية والرقابة عليها فقد شرعت هذه المؤسسات بتقديم القروض بدون الأخذ بنظر الاعتبار القدرة المالية للأفراد الذين تمنح لهم هذه القروض.
وتبعاً لذلك ارتفع الطلب على بناء البيوت وازدادت قيمها وقدمت البنوك قروضاً كبيرة حتى لأفراد ليس بحوزتهم موارد مالية كافية وبدون أي إيداعات، مما أدى إلى أن يستطيع المواطن من ذوي الدخل والقدرة المالية المحدودة إلى شراء بيوت باهظة الثمن. فقد أصبحت شروط امتلاك البيت سهلة للغاية، ولكن أصحابها لم يكن بإمكانهم تسديد الأقساط الثقيلة والتي ازدادت بفعل ارتفاع معدل الفائدة لاحقاً، مما حدا بالبنوك والمؤسسات المالية إلى حجز البيوت، حيث وصل عدد البيوت المحجوزة إلى ما يزيد على 10 ملايين بيت.
ولا تكمن المشكلة في القروض المقدمة بدون غطاء، فالبنوك والمؤسسات المالية التي تقدم القروض إلى المواطنين، الذين يبيعون بدورهم أسهمهم إلى مؤسسات ورأسماليين آخرين أو يبيعونها في البورصات. وعندما لا يستطيع أصحاب هذه البيوت تسديد الأقساط ويفقدون بيوتهم، فإن ذلك يؤدي إلى انخفاض أسعار أسهم المؤسسات المالية والبنوك.
وهكذا أفلست مؤسسات مالية ذات مكانة ومن التي تعني بتقديم قروض لشراء المساكن في السوق الأمريكية، مما أجبر الحكومة على أن تأخذ على عاتقها ضمان دفع قروض المساكن البالغة أكثر من 5 تريليون دولار لإنقاذ السوق الحرة.
ويرى المعلق الاقتصادي في مجلة نيوزويك روبرت صاموئلسن أن " الواقع يدل على أن الحكومة الأمريكية قد اقترضت مبالغ نقدية كبيرة، ويقوم الأمريكان بإنفاق أكثر مما يملكون". لقد قامت البنوك الأمريكية باقتراض مبالغ تزيد بمقدار 40% عن رأسمالها الإسمي، وبذلك تحوّلت البنوك الأمريكية إلى مؤسسات أقرب إلى الكازينوهات منها إلى مؤسسات اجتماعية مسؤولة.
لقد أدت الأزمة الحالية واندفاع الحكومة إلى التدخل لحل الأزمة إلى انهيار شعار الجمهوريين التقليدي القائل بضرورة تقليص دور الدولة في العملية الاقتصادية ومنع تدخلها في السوق الحرة. فقد لاحظنا في أوّج هذه الأزمة مسارعة الحكومة إلى تقديم اقتراح إلى الكونغرس لتأمين مبلغ ضخم يبلغ 700 مليار دولار لإنقاذ المؤسسات المالية من الانهيار.
إن هذه الخطوة تمثل تقويضاً لمبدأ رونالد ريغان الذي سعى خلال 8 سنوات من رئاسته للولايات المتحدة الأمريكية أن يقلص دور الدولة في السوق، ويحد من رقابتها على المؤسسات المالية إلى حدودها الدنيا، هذا النهج الذي عرف آنذاك بـ"الثورة" الاقتصادية لريغان. ففي عهده ألغيت الكثير من القوانين التي تبيح للدولة التدخل في السوق، مما أدى إلى ثراء أكثر للميسورين وفقر أكثر للفقراء، وحد من دور الدولة في تقديم الخدمات العامة. إن ما يعرف بـ"ثورة" ريغان الاقتصادية هي عبارة عن تراجع دور الدولة ورقابتها على المؤسسات المالية والمؤسسات الرأسمالية الكبرى. ولقد أكدت الأزمة الحالية الدور المؤثر والضروري للدولة في الرقابة على السوق وضبطه. فالبنوك المرتبطة بالدولة لم يشملها هذا الاهتزاز والأزمة الخطيرة، خلافاً لبنوك الاستثمار أو التي تقدم القروض للسكن التي لا تخضع لأية رقابة من قبل طبق مبدأ ريغان.
إن هذه الأزمة هي إعلان عن نهاية عهد ريغان و "ثورته الاقتصادية". ولا يوجد أمام أية إدارة جديدة سوى العودة إلى الالتزام بالرقابة على البنوك والمؤسسات المالية ووضع الضوابط لها.
لقد أعتمد ريغان وكل أنصار السوق الحر في تطبيق نهجهم على جانب واحد من أفكار آدم سميث، والتي طرحها في كتابه المعروف "ثروة الأمم" الذي ألفه عام 1776. ففي هذا الكتاب ركّز آدم سميث على أهمية السوق الحرة في تطور واستقرار النظام الرأسمالي. إلاّ أن آدم سميث عاد ودقق في أفكاره عندما ألّف كتاباً آخراً تحت عنوان "نظرية المشاعر الأخلاقية"، الذي عاد وركّز على العامل الأخلاقي وليس على أنانية المنافع الشخصية في المجتمع الرأسمالي، والذي يتطلب تدخل الدولة لتفعيل هذه الأفكار.
ولعل تصريحات رئيس الوزراء الصيني وإشارته إلى الأوضاع الاقتصادية الأمريكية الراهنة ومقارنتها بتجربة الرأسمالية في الصين مستنداً إلى مجمل أفكار آدم سميث خير مؤشر على سبل الخروج من الأزمة المالية الراهنة في الولايات المتحدة الأمريكية. فقد أكد رئيس الوزراء الصيني على أن "تمركز الثروة في عدد محدود من الأشخاص لا يؤدي إلى تقدم اجتماعي نحن في الصين نسعى إلى تغييرات اقتصادية تصحبها تغييرات اجتماعية وثقافية وسياسية.
فإذا راجعنا نظرية آدم سميث حول المسؤولية الاجتماعية والعدالة، فإننا نرى أن السوق الحرة لا تعطي ثمارها بدون هذه الملاحظات. إن السوق الحرة يمكن أن تكون يداً غير مرئية في توازن العملية الاقتصادية، إلاّ أنها تحتاج إلى يد مرئية، أي تدخّل الدولة ورقابتها من أجل إقرار قدر من العدالة الاجتماعية. وهذا ما نفعله في الصين".
فإن المرحلة القادمة ستشهد التخلي كلياً عن "الريغانية" ونهجها القائم على إلغاء دور الدولة في الرقابة على المؤسسات المالية والشركات الكبرى، والتوجه نحو تفعيل دور الدولة في تقديم الخدمات لدافعي الضرائب الأمريكان من ناحية، ومن الناحية الأخرى تراجع انفراد الولايات المتحدة في اتخاذ القرارات الدولية وخاصة تلك المتعلقة بمكافحة الإرهاب والتعامل مع بؤر التوتر في العالم، هذا الانفراد الذي ألقى ويلقي اعباءاً مالية ضخمة على الولايات المتحدة، مما يشدد من أية أزمة اقتصادية قد تواجهها الولايات المتحدة دون أن يعني ذلك تخلي الولايات المتحدة كلياً عن دورها في العالم. ولربما ستقود الأزمة الحالية إلى انفراط حالة القطب الواحد في العالم، التي سادت في العقدين الماضيين، والانتقال إلى حالة تعدد الأقطاب وما يتركه ذلك من حلول جديدة لبؤر التوتر في العالم.
| |
|