ملك الحركات عضو محترف
عدد المساهمات : 143
نقاط : 411
| موضوع: ليلة القدر - اللهم إنك عفو - منهج التربية الأحد يوليو 11, 2010 2:28 pm | |
| ليلة القدر - اللهم إنك عفو - منهج التربية
بقلم فضيله الشيخ \\ سعيد عبد العظيم بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما بعد،
ليلة القدر هي أفضل ليالي رمضان، وهي أيضًا أفضل ليالي العام وذلك لقوله -تعالى-: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: 1-3] أي: العمل فيها من الصلاة والتلاوة والذكر خير من العبادة في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.
في هذه السورة فضائل متعددة لهذه الليلة المباركة، ومنها:
الأولى: أناللهأنزل فيها القرآن الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
الثانية: ما يدل عليه الاستفهام من التفخيم والتعظيم في قوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾.
الثالثة: أنها خير من ألف شهر.
الرابعة: أن الملائكة تتنزل فيها بالخير والبركة والرحمة.
الخامسة: أنها سلام لكثرة السلامة فيها من العقاب والعذاب بما يقوم به العبد من طاعةالله -تعالى-.
السادسة: أناللهأنزل في فضلها سورة كاملة تُتلى إلى يوم القيامة.
ومن فضائل ليلة القدر ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) فقوله: (إيمانًا) يعني: إيمانًا بالله وبما وعد الله من الثواب للقائمين فيها، (واحتسابًا) للأجر وطلب الثواب، وهذا حاصل لمن علم بها ومن لم يعلم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يشترط العلم بها في حصول هذا الأجر.
قال الحافظ في «الفتح»: «والمعنى -القدر هنا- أنه يقدر فيها أحكام تلك السنة لقوله -تعالى- فيها: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم﴾ [الدخان: 4] وبه صدر النووي كلامه فقال: قال العلماء: سميت ليلة القدر لما تكتب فيها الملائكة من الأقدار».
وليلة القدر في رمضان لأناللهأنزل القرآن فيها، وقـد أخبر -سبحانه- أن إنزاله في شهر رمضان ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: 185].
وهي موجودة في الأمم السابقة وفي هذه الأمة إلى يوم القيامة لما روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي ذر -رضي الله عنه- أنه قال: (يا رسول الله، أخبرني عن ليلة القدر أفي رمضان أو في غيره؟ قال: بَل هِيَ فِي رَمَضَانَ قال: تكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبضوا رفعت، أم هي إلى يوم القيامة؟ قال: بَل هِيَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ) [رواه أحمد والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي]
لكن فضلها وأجرها يختص والله أعلم بهذه الأمة كما اختصت هذه الأمة بفضيلة يوم الجمعة وغيرها من الفضائل ولله الحمد، قال ابن حجر -رحمه الله-: «قد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافًا كثيرًا وتحصَّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولا -ثم ذكر هذه الأقوال-، ثم قال: وأرجحها كلها أنها في وتر من العشر الأخير، وأنها تنتقل -كما يفهم من أحاديث هذا الباب-، وأرجاها أوتار العشر، وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، وأرجاها عند الجمهور ليلة سبع وعشرين».
عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ مِنْ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ)[رواه البخاري]
وعن زر بن حبيش قال: «سمعت أُبيّ بن كعب يقول: وقيل له: إن عبداللهابن مسعود يقول: من قام السنة أصاب ليلة القدر! فقال أبي -رضي الله عنه-: رحمه الله، أراد ألا يتكل الناس، والله الذي لا إله إلا هو؛ إنها لفي رمضان -يحلف ما يستثني- والله إني لأعلم أي ليلة هي؟ هي الليلة التي أمرنا بها رسولالله-صلى الله عليه وسلم- بقيامها، هي ليلة صبيحة سبع وعشرين، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها»، ورفع ذلك في رواية إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-[رواه مسلم]
وروى أحمد بإسناد صحيح عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسولالله-صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَليَتَحَرَّهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وعشرين) [رواه أحمد، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين]
وعن رؤية علامة تظهر لمن وفقت له هذه الليلة، قال ابن المنير في «الحاشية»: «ولا نعتقد أن ليلة القدر لا ينالها إلا من رأى الخوارق، بل فضلاللهواسع، ورب قائم تلك الليلة لم يحصل منها إلا على العبادة من غير رؤية خارق وآخر رأى الخارق من غير عبادة، والذي حصل على العبادة أفضل، والعبرة إنما هي بالاستقامة فإنها تستحيل أن تكون إلا كرامة، بخلاف الخارق فقد يقع كرامة وقد يقع فتنة والله أعلم».
وقد أخفىالله-سبحانه- علمها على العباد رحمة بهم؛ ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والدعاء فيزدادوا قربة مناللهوثوابًا، وأخفاها اختبارًا لهم أيضًا ليتبين بذلك من كان جادًا في طلبها حريصًا عليها ممن كان كسلان متهاونًا، فإن من حرص على شيء جد في طلبه وهان عليه التعب في سبيل الوصول إليه والظفر به، وربما يظهراللهعلمها لبعض العباد بأمارات وعلامات يراها كما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- علامتها أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين فنزل المطر في تلك الليلة فسجد في صلاة الصبح في ماء وطين.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني
روى أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسولالله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي)فالله -سبحانه- هو العفو، وقد وصف نفسه بذلك في أكثر من موضع فقال -سبحانه-: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾[المجادلة: 2]، وقال: ﴿فَأُولَئِكَ عَسَى الله أَنْ يَعْفُوعنهُمْ وَكَانَ الله عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء: 99].
إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ الله كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء:149]وقد ندبناالله-سبحانه- للعفو فقال: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾[آل عمران:134] وقال: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ﴾ [البقرة: 109] والعفو ترك المؤاخذة بالذنب بحيث يكون إصلاحًا.
فأما العفو الذي تزداد به جريمة المعتدي فليس بمحمود ولا مأجور عليه، والصفح: إزالة أثره من النفس.
وقال -تعالى-: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ الله لَكُمْ﴾ [النور: 22].
وقال -تعالى-: ﴿إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ [البقرة: 237].
وقال -تعالى-: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ وأنت في رمضان لابد وأن تتحلى بهذه الخصلة فإن سابك أحد أو قاتلك فقل: إني صائم، بل وعليك أن تتجمل بهذه الصفة في حياتك كلها، فعلى كثرة عيوبك ومساويك ترجو عفو ربك، فلماذا لا تعفو إذا قصر الآخرون في حقك أو أخطأوا في أمر معك؟ واعلم أن الجزاء من جنس العمل، وإذا كان رب العزة قد أطمعنا في عفوه فعلينا أن نضرع إليه -سبحانه- أن يعفوعنا لما بدر منا من تقصير في طاعته ومن ذنوب وسيئات كان أحرى أن نصون القلب والجوارح عنها ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمارة بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾[يوسف: 53].
فاللهم اجعلنا ممن صام الشهر وأدرك ليلة القدر وفاز بالثواب الجزيل والأجر العظيم.
منهج التربية
لا نخطئ إذا قلنا عن هذا الشهر، هو شهر التربية، وذلك فيما يتعلق بمعاني العقيدة والعبادة، بحيث يخرج المسلم منه وقد صفت نفسه وزكا قلبه وتطهرت روحه وسما عقله، ثم هو بعد ذلك زاد للعبد في مسيره وارتحاله إلى ربه، لا يحتاج معه لمثل هذا الابتداع الذي خرجت به الصوفية وأشباههم زاعمين أنهم احتكروا بذلك طرائق التربية والسلوك، فلم يقتصر الأمر على ترك الكلام والجلوس في الشمس وتعذيب النفس والرقص والغناء والسماع الشيطاني والأذكار المبتدعة والسعي الضال وراء ما يسمى بالفتوحات وترك النظافة والعزلة والعيش على طعام واحد إلى غير ذلك من المخالفات، بل امتد هذا البلاء من حقل التربية إلى تقسيم الدين إلى ظاهر وباطن، ووضع الحديث وإفساد العقيدة وتحطيم الشرع وفتح الباب للخرافات والشركيات والفلسفات الهالكة، كالقول بوحدة الوجود ثم القول بإسقاط التكاليف، ومن خلالها تسرب كثير من البدع الضالة إلى الإسلام وأشاعت في الأمة الخمول والتعلق بالأوهام وترك الجهاد.
وقد ظهر التصوف بمقاييسه في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، وكان معروفًا من قبل في بيئات غير عربية انتشرت فيها الديانات الوثنية كالبوذية والبراهمية والفكر الإغريقي، وكان من أسباب انتشار الصوفية ظهور سلطان الموالي من غير العرب لاسيما الفرس، كما ساعد على ذلك ترجمة كتب الفرس والروم والهند.
وليس في لغة العرب إشارة إلى كلمة صوفية أو صوفي بنفس المعنى الذي يهدف إليه أعلام التصوف، كما أن الكتاب والسنة لا إشارة فيهما للتصوف لا بلفظه ولا بمعناه، بل هذا الاتجاه على هذا النحو لم تعرفه البيئة العربية قبل الإسلام.
ولا يصح الاحتجاج بفترات التحنث في غار حراء أو بقول البعض طريقتنا مقيدة بالكتاب والسنة، وإلا فإن كان الأمر كذلك فلماذا المناداة بالصوفية؟ وهل يصدق هذا القول على هذه الاعتقادات الخربة التي خرج بها أمثال الحلاج وابن سبعين وابن الفارض وابن عربي الذي صادر الأزهر كتبه لما فيها من كفر وإلحاد؟
وقد وصف شيخ الإسلام ابن تيمية ابن عربي بأنه من ملاحدة الصوفية، وكان يطلق على بعضهم اسم موسوية المحمدية وعيسوية المحمدية وذلك للتشابه الكبير بينهم وبين اليهود والنصارى، وقد رد التفسيرات الخاطئة للغزالي عندما أقحم على الإسلام أفكار بعض فلاسفة اليونان، وإن كان قد أعجبته بعض فصول كتاب «إحياء علوم الدين» مثل المهلكات والمنجيات.
والغزالي كان جادًا في طلب الحقيقة، ولكنه لم ينشأ بين محدثين ولم يتلق الحديث عن أصحابه.
ونحن في هذا الصدد لابد وأن نرد أيضًا الإنتاج الفلسفي لجميع الفلاسفة كالكندي والفارابي وابن سينا، وينبغي أن نفرق جيدًا بين ابن سينا الطبيب وابن سينا الفيلسوف، فنحن نقبل طبه ونرفض فلسفته، وليكن ضابطنا دائمًا في القبول والرد هو كتاباللهوسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- والرجوع إلى سلف الأمة الذين اتبعوا منهج الكتاب والسنة توحيدًا واتباعًا وتزكية فلم يقعوا في الشرك الظاهر ولا التأويل الباطل أو ضلال السلوك وترهات التصوف، وبهذا المنهج بإذناللهيبلغ المسلم الكمال المقدور له بتناسق وفي جميع شئونه، فلا يقبل على جانب واحد ويهمل بقية الجوانب، بل يسير باعتدال وشمول وبما يوافق الفطرة دون إرهاق ولا حرج ولا انعزال عن الحياة وأهلها.
وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
| |
|